الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
قوله: {وَرُدُّواْ إِلَى الله مولاهم الحق} معطوف على {زيلنا}، والضمير في {ردّوا} عائد إلى الذين أشركوا: أي ردّوا إلى جزائه، وما أعدّ لهم من عقابه، و{مولاهم}: ربهم، و{الحق} صفة له: أي الصادق الربوبية دون ما اتخذوه من المعبودات الباطلة، وقرئ {الحق} بالنصب على المدح، كقولهم الحمد لله أهل الحمد {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} أي: ضاع وبطل ما كانوا يفترون من أن الآلهة التي لهم حقيقة بالعبادة، لتشفع لهم إلى الله وتقرّبهم إليه.والحاصل أن هؤلاء المشركين يرجعون في ذلك المقام إلى الحق، ويعترفون به، ويقرّون ببطلان ما كانوا يعبدونه ويجعلونه إلهًا، ولكن حين لا ينفعهم ذلك.وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، عن ابن عباس، في قوله: {فاختلط بِهِ نَبَاتُ الأرض} قال: اختلط فنبت بالماء كل لون {مِمَّا يَأْكُلُ الناس} كالحنطة والشعير، وسائر حبوب الأرض والبقول والثمار، وما تأكله الأنعام والبهائم من الحشيش والمراعي.وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن قتادة في قوله: {وازينت} قال: أنبتت وحسنت، وفي قوله: {كَأَن لَّمْ تَغْنَ بالأمس} قال: كأن لم تعش، كأن لم تنعم.وأخرج ابن جرير، عن أبيّ بن كعب، وابن عباس، ومروان بن الحكم، أنهم كانوا يقرءون بعد قوله: {وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا} وما كان الله ليهلكها إلا بذنوب أهلها.وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أنه كان يقرأ: وما أهلكناها إلا بذنوب أهلها {كذلك نفصل الآيات}.وأخرج ابن المنذر، وأبو الشيخ، عن أبي مجلز، قال: كان مكتوب في سورة يونس إلى حيث هذه الآية: {حتى إِذَا أَخَذَتِ الأرض زُخْرُفَهَا} إلى {يَتَفَكَّرُونَ}، ولو أن لابن آدم واديين من مال لتمني واديًا ثالثًا، ولا يشبع نفس ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب، فمحيت.وأخرج أبو نعيم، والدمياطي في معجمه من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، في قوله: {والله يَدْعُو إِلَى دَارُ السلام} يقول: يدعو إلى عمل الجنة.والله: السلام، والجنة: داره.وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن قتادة، نحوه.وأخرج ابن أبي حاتم، عن أبي العالية، في قوله: {وَيَهْدِى مَن يَشَاء} قال: يهديهم للمخرج من الشبهات والفتن والضلالات.وأخرج أحمد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من يوم طلعت شمسه إلا وكل بجنبتيها ملكان يناديان نداء يسمعه خلق الله كلهم إلا الثقلين: يا أيها الناس، هلموا إلى ربكم، فما قلّ وكفى خير مما كثر وألهى، ولا آبت شمسه إلا وكل بجنبتيها ملكان يناديان نداء يسمعه خلق الله كلهم غير الثقلين: اللهم أعط منفقًا خلفًا، وأعط ممسكًا تلفًا {واليل إِذَا يغشى والنهار إِذَا تجلى} إلى قوله: {للعسرى} [الليل: 1 10]».وأخرج ابن جرير، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل، عن سعيد بن أبي هلال، سمعت أبا جعفر محمد بن عليّ وتلا: {والله يَدْعُو إلى دَارِ السلام وَيَهْدِى مَن يَشَاء إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} فقال: حدّثني جابر قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا فقال: «إني رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي، وميكائيل عند رجلي، يقول أحدهما لصاحبه: اضرب له مثلًا، فقال: اسمع سمعت أذنك، واعقل عقل قلبك، إنما مثلك ومثل أمتك مثل ملك اتخذ دارًا، ثم بنى فيها بيتًا، ثم جعل فيها مأدبة، ثم بعث رسولًا يدعو الناس إلى طعامه، فمنهم من أجاب الرسول، ومنهم من ترك؛ فالله هو الملك، والدار الإسلام، والبيت الجنة، وأنت يا محمد رسول، فمن أجابك دخل الإسلام، ومن دخل الإسلام دخل الجنة، ومن دخل الجنة أكل منها» وقد روي معنى هذا من طرق.وأخرج أحمد في الزهد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، عن قتادة، في قوله: {والله يَدْعُواْ إِلَى دَارُ السلام} قال: ذكر لنا أن في التوراة مكتوبًا: يا باغي الخير هلمّ، ويا باغي الشرّ اتقه.وأخرج أبو الشيخ، عن الحسن، أنه كان إذا قرأ: {والله يَدْعُواْ إِلَى دَارُ السلام} قال: لبيك ربنا وسعديك.وأخرج أحمد، ومسلم، والترمذي، وابن ماجه، وابن خزيمة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وغيرهم، عن صهيب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية: {لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى وَزِيَادَةٌ} قال: «إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار نادى مناد: يا أهل الجنة، إن لكم عند الله موعدًا يريد أن ينجزكموه، فيقولون: وما هو؟ ألم يثقل موازيننا، ويبيض وجوهنا، ويدخلنا الجنة، ويزحزحنا عن النار؛ قال: فيكشف لهم الحجاب فينظرون إليه، فوالله ما أعطاهم الله شيئًا أحبّ إليهم من النظر إليه، ولا أقرّ لأعينهم» وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، والدارقطني في الرؤية، وابن مردويه، عن أبي موسى، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبعث يوم القيامة مناديًا ينادي بصوت يسمعه أوّلهم وآخرهم: إن الله وعدكم الحسنى وزيادة» فالحسنى الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الرحمن.وأخرج ابن جرير، وابن مردويه، والبيهقي في الرؤية، عن كعب بن عجرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، في قوله: {لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى وَزِيَادَةٌ} قال: «الزيادة: النظر إلى وجه الرحمن» وأخرج هؤلاء والدارقطني، وابن أبي حاتم، عن أبيّ بن كعب، أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله: {لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى وَزِيَادَةٌ} قال: «الذين أحسنوا: أهل التوحيد، والحسنى: الجنة، والزيادة: النظر إلى وجه الله» وأخرج ابن مردويه، عن ابن عمر، مرفوعًا نحوه.وأخرج أبو الشيخ، والدارقطني، وابن مردويه، والخطيب، وابن النجار، عن أنس مرفوعًا نحوه.وأخرج أبو الشيخ، عن أبي هريرة نحوه.وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن خزيمة، وابن المنذر، وأبو الشيخ، والدارقطني، وابن مردويه، والبيهقي، عن أبي بكر الصدّيق، في الآية قال: الحسنى: الجنة، والزيادة: النظر إلى وجه الله.وأخرج ابن مردويه، من طريق الحرث، عن عليّ بن أبي طالب في الآية مثله.وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وأبو الشيخ، والدارقطني، والبيهقي، عن حذيفة في الآية قال: الزيادة: النظر إلى وجه الله.وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والدارقطني، والبيهقي، عن أبي موسى نحوه.وأخرج ابن مردويه، والبيهقي في الأسماء والصفات، من طريق عكرمة، عن ابن عباس نحوه.وأخرج ابن أبي حاتم، واللالكائي عن ابن مسعود، نحوه.وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والبيهقي، عن عليّ قال: الزيادة: غرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة أبواب غرفها وأبوابها من لؤلؤة واحدة.وأخرج ابن جرير، عن ابن عباس، في قوله: {وَزِيَادَةٌ} قال: هو مثل قوله: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق: 35] يقول: يجزيهم بعملهم، ويزيدهم من فضله.وقال: {مَن جَاء بالحسنة فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160].وقد روى عن التابعين ومن بعدهم روايات في تفسير الزيادة غالبها أنها النظر إلى وجه الله سبحانه.وقد ثبت التفسير بذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يبق حينئذ لقائل مقال، ولا التفات إلى المجادلات الواقعة بين المتمذهبة الذين لا يعرفون من السنة المطهرة ما ينتفعون به، فإنهم لو عرفوا ذلك لكفوا عن كثير من هذيانهم، والله المستعان.وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس، في قوله: {وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ} قال: لا يغشاهم {قَتَرٌ} قال: سواد الوجوه.وأخرج أبو الشيخ عن عطاء في الآية قال: القتر: سواد الوجه.وأخرج ابن أبي حاتم، عن مجاهد، في الآية قال: خزي.وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه، عن صهيب عن النبيّ: {وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ} قال: «بعد نظرهم إليه عزّ وجلّ» وأخرج أبو الشيخ، عن السديّ، في قوله: {والذين كَسَبُواْ السيئات} قال: الذين عملوا الكبائر {جَزَاء سَيّئَةٍ بِمِثْلِهَا} قال: النار {كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ الليل مُظْلِمًا} القطع: السواد.نسختها الآية في البقرة: {بلى مَن كَسَبَ سَيّئَةً} [البقرة: 81] الآية.وأخرج ابن جرير، عن ابن عباس، في قوله: {وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} قال: تغشاهم ذلة وشدّة.وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عنه، في قوله: {مَّا لَهُمْ مّنَ الله مِنْ عَاصِمٍ} يقول: من مانع.وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن مجاهد، في قوله: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ} قال: الحشر الموت.وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن ابن زيد، في قوله: {فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ} قال: فرّقنا بينهم.وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن مجاهد، قال: تنصب الآلهة التي كانوا يعبدونها من دون الله، فيقول: هؤلاء الذين كنتم تعبدون من دون الله؟ فيقولون: نعم، هؤلاء الذين كنا نعبد، فتقول لهم الآلهة.والله ما كنا نسمع ولا نبصر، ولا نعقل، ولا نعلم، أنكم كنتم تعبدوننا، فيقولون: بلى والله لإياكم كنا نعبد، فتقول لهم الآلهة: {فكفى بالله شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لغافلين}.وأخرج ابن مردويه، عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يمثل لهم يوم القيامة ما كانوا يعبدون من دون الله، فيتبعونهم حتى يؤدّوهم النار»، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ}.وأخرج أبو الشيخ، عن السديّ {هُنَالِكَ تَبْلُواْ} يقول: تتبع.وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن مجاهد، قال: {تبلو}: تختبر.وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ، عن ابن زيد، {تبلو} قال: تعاين {تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ} ما عملت {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} ما كانوا يدعون معه من الأنداد.وأخرج أبو الشيخ، عن السديّ في قوله: {وَرُدُّواْ إِلَى الله مولاهم الحق} قال: نسخها قوله: {الله مَوْلَى الذين ءامَنُواْ وَأَنَّ الكافرين لاَ مولى لَهُمْ} [محمد: 11]. اهـ.
.قال صاحب المنار في الآيات السابقة: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} هَذَا بَيَانٌ لِصِفَةِ الَّذِينَ هَدَاهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْإِسْلَامِ، فَوَصَلُوا بِالسَّيْرِ عَلَيْهِ إِلَى غَايَتِهِ وَهِيَ {دَارُ السَّلَامِ} أَيْ لِلَّذِينِ أَحْسَنُوا أَعْمَالَهُمْ فِي الدُّنْيَا الْمَثُوبَةُ {الْحُسْنَى} أَيِ الَّتِي تَزِيدُ فِي الْحُسْنِ عَلَى إِحْسَانِهِمْ، وَهِيَ مُضَاعَفَتُهَا بِعَشَرَةِ أَمْثَالِهَا أَوْ أَكْثَرَ، كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ النَّجْمِ: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} (53: 31) وَلَهُمْ زِيَادَةٌ عَلَى هَذِهِ الْحُسْنَى، وَهِيَ فَوْقَ مَا يَسْتَحِقُّونَهُ عَلَى أَعْمَالِهِمْ بَعْدَ مُضَاعَفَتِهَا الَّتِي هِيَ مِنْ جَزَائِهَا مَهْمَا تَكُنْ حَسَنَةً، كَمَا قَالَ: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} (4: 173) وَقَدْ وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ الْكَثِيرَةِ مِنَ الطُّرُقِ الْعَدِيدَةِ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ هِي النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللهِ الْكَرِيمِ، وَهُوَ أَعْلَى مَرَاتِبِ الْكَمَالِ الرُّوحَانِيِّ الَّذِي لَا يَصِلُ إِلَيْهِ الْمُتَّقُونَ الْمُحْسِنُونَ الْعَارِفُونَ إِلَّا فِي الْآخِرَةِ، وَقَدْ فَصَّلْنَا الْقَوْلَ فِيهِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ (ص112 وَمَا بَعْدَهَا ج9 ط الْهَيْئَةِ) بِمَا يُقَرِّبُهُ مِنَ الْعَقْلِ وَالْعِلْمِ الْعَصْرِيِّ، وَيَدْحَضُ شُبُهَاتِ الْمُعْتَزِلَةِ الْمُنْكِرِينَ لَهُ بِزَعْمِهِمْ أَنَّهُ مُحَالٌ عَقَلًا، وَمَا هَذَا الْمُحَالُ إِلَّا نَظَرِيَّاتُ عُقُولِهِمُ الَّتِي تَقِيسُ عَالَمَ الْغَيْبِ عَلَى عَالَمِ الشَّهَادَةِ، وَقَدْ ظَهَرَ فِي هَذَا الْعَصْرِ مِنْ عُلُومِ الْمَادَّةِ مَا لَمْ يَكُنْ يَقْبَلُهُ عَقْلٌ مِنَ الْعُقُولِ الْمُقَيَّدَةِ بِتِلْكَ النَّظَرِيَّاتِ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنَ الْفَلْسَفَةِ الْيُونَانِيَّةِ وَالْكَلَامِ الْجَهْمِيِّ، فَكَيْفَ يَكُونُ عَالَمُ الْغَيْبِ الْإِلَهِيِّ مُقَيَّدًا بِهَا؟!وَثَمَّ وَرَاءَ الْعَقْلِ عِلْمٌ يَدُقُّ عَنْ مَدَارِكِ غَايَاتِ الْعُقُولِ السَّلِيمَةِ {وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ} رَهِقَ الرَّجُلُ الشَّيْءَ (كَتَعِبَ) أَدْرَكَهُ وَرَهِقَهُ الشَّيْءُ كَالدِّينِ وَالذُّلُّ غَشِيَهُ، وَغَلَبَ عَلَيْهِ حَتَّى غَطَّاهُ وَحَجَبَهُ: {وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا} (18: 73) لَا تُكَلِّفْنِي مَا يَعْسُرُ عَلَيَّ، وَالْقَتَرُ: الدُّخَانُ السَّاطِعُ مِنَ الشِّوَاءِ وَالْحَطَبِ وَكُلُّ غَبَرَةٍ فِيهَا سَوَادٌ أَيْ لَا يَغْشَى وُجُوهَهُمْ فِي الْآخِرَةِ شَيْءٌ مِمَّا يَغْشَى وُجُوهَ الْكَفَرَةِ الْفَجَرَةِ مِنَ الْكُسُوفِ وَالظُّلْمَةِ وَالذِّلَّةِ، كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا فِي الْمُقَابَلَةِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ {أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} أُولَئِكَ الْمَوْصُوفُونَ بِمَا ذُكِرَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ دَارِ السَّلَامِ وَالْإِكْرَامِ، خَالِدُونَ مُقِيمُونَ فِيهَا لَا يَبْرَحُونَهَا وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا جَزَاءً وِفَاقًا، لَا يُزَادُونَ عَلَى مَا يَسْتَحِقُّونَ بِسَيِّئَاتِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ شَيْئًا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ أَيْ تَغْشَاهُمْ ذِلَّةُ الْفَضِيحَةِ وَكُسُوفُ الْخِزْيِ بِمَا يُظْهِرُهُ حِسَابُهُمْ مِنْ شِرْكٍ وَظُلْمٍ وَزُورٍ وَفُجُورٍ {مَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عَاصِمٍ} مَا لَهُمْ مِنْ أَحَدٍ وَلَا مِنْ شَيْءٍ يَعْصِمُهُمْ وَيَمْنَعُهُمْ مِنْ عَذَابِ اللهِ، كَالَّذِينِ اتَّخَذُوهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ الشُّرَكَاءِ، وَزَعَمُوهُمْ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ وَالشُّفَعَاءِ. وَانْتَحَلُوهُمْ مِنَ الْوَسَائِلِ وَالْوُسَطَاءِ؛ لِأَنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي تَنْقَطِعُ فِيهِ الْأَسْبَابُ الَّتِي مَضَتْ بِهَا سُنَنُ اللهِ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا، فَأَنَّى تُفِيدُ فِيهِ الْمَزَاعِمُ الشِّرْكِيَّةُ الْوَهْمِيَّةُ: {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} (82: 19).
|